سورة الفتح - تفسير تفسير ابن جزي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الفتح)


        


{لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا (18) وَمَغَانِمَ كَثِيرَةً يَأْخُذُونَهَا وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا (19) وَعَدَكُمُ اللَّهُ مَغَانِمَ كَثِيرَةً تَأْخُذُونَهَا فَعَجَّلَ لَكُمْ هَذِهِ وَكَفَّ أَيْدِيَ النَّاسِ عَنْكُمْ وَلِتَكُونَ آيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ وَيَهْدِيَكُمْ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا (20) وَأُخْرَى لَمْ تَقْدِرُوا عَلَيْهَا قَدْ أَحَاطَ اللَّهُ بِهَا وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرًا (21) وَلَوْ قَاتَلَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوَلَّوُا الْأَدْبَارَ ثُمَّ لَا يَجِدُونَ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا (22) سُنَّةَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا (23)}
{لَّقَدْ رَضِيَ الله عَنِ المؤمنين إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشجرة} قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا يدخل النار إن شاء الله أحد من أهل الشجرة الذين بايعوا تحتها» وفي الحديث أنهم كانوا ألفاً وأربعمائة، وقيل: ألفاً وخمسمائة. وسبب هذه البيعة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما بلغ الحديبية، وهي موضع على نحو عشرة أميال من مكة، أرسل عثمان بن عفان رضي الله عنه رسولاً إلى أهل مكة، يخبرهم أنه إنما جاء ليعتمر، وأنه لا يريد حرباً. فلما وصل إليهم عثمان حبسه أقاربه كرامة له، فصرخ صارخ أن عثمان قد قتل. فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس إلى البيعة على القتال وأن لا يفر أحد. وقيل: بايعوه على الموت ثم جاء عثمان بعد ذلك سالماً، وانعقد الصلح بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين أهل مكة؛ على أن يرجع ذلك العام ويعتمر في العام القابل، والشجرة المذكورة كانت سمرة هنالك ثم ذهبت بعد سنين. فمر عمر بن الخطاب بالموضع في خلافته، فاختلف الصحابة في موضعها {فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ} يعني من صدق الإيمان وصدق العزم على ما بايعوا عليه، وقيل: من كراهة البيعة على الموت وهذا باطل. لأنه ذم للصحابة وقد ذكرنا السكينة {وَأَثَابَهُمْ فَتْحاً قَرِيباً} يعني: فتح خيبر وقيل: فتح مكة والأول أشهر، أي جعل الله ذلك ثواباً لهم على بيعة الرضوان، زيادة على ثواب الآخرة. وأما المغانم المذكورة أوّلاً فهي غنائم خيبر، وهي المعطوفة على الفتح القريب وأما المغانم الكثيرة التي وعدهم الله وهي المذكورة ثانياً فهي: كل ما يغنم المسلمون إلى يوم القيامة، والإشارة بقوله: {فَعَجَّلَ لَكُمْ هذه} إلى خيبر. وقيل: إن المغانم التي وعدهم هي خيبر والإشارة بهذه إلى صلح الحديبية {وَكَفَّ أَيْدِيَ الناس عَنْكُمْ} أي كف أهل مكة عن قتالكم في الحديبية. وقيل: كف اليهود وغيرهم عن إضرار نسائكم وأولادكم بينما خرجتم إلى الحديبية {وَلِتَكُونَ آيَةً لِّلْمُؤْمِنِينَ} أي تكون هذه الفعلة وهي كف أيدي الناس عنكم آية للمؤمنين، يستدلون بها على النصر، واللام تتعلق بفعل محذوف تقديره: فعل الله ذلك لتكون آية {وأخرى لَمْ تَقْدِرُواْ عَلَيْهَا} يعني فتح مكة، وقيل: فتح بلاد فارس والروم وقيل: مغانم هوازن في حنين، والمعنى لم تقدروا أنتم عليها، وقد أحاط الله بها بقدرته ووهبها لكم، وإعراب أخرى عطف على عجل لكم هذه أو مفعول بفعل مضمر تقديره: أعطاكم أخرى أو مبتدأ {وَلَوْ قاتلكم الذين كفَرُواْ} يعني أهل مكة {سُنَّةَ الله} أي عادته والإشارة إلى يوم بدر، وقيل: الإشارة إلى نصر الأنبياء قديماً.


{وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ بِبَطْنِ مَكَّةَ مِنْ بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرًا (24)}
{وَهُوَ الذي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُم} روي في سببها أن جماعة من فتيان قريش خرجوا إلى الحديبية، ليصيبوا من عسكر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فبعث إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم خالد بن الوليد في جماعة من المسلمين فهزموهم وأسروا منهم قوماً، وساقوهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأطلقهم، فكفُّ أيدي الكفار هو أن هزموا وأسروا. وكفُّ أيدي المؤمنين عن الكفار هو أطلاقهم من الأسر، وسلامتهم من القتل، وقوله: {مِن بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ} يعني من بعدما أخذتموهم أُسارى.


{هُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَالْهَدْيَ مَعْكُوفًا أَنْ يَبْلُغَ مَحِلَّهُ وَلَوْلَا رِجَالٌ مُؤْمِنُونَ وَنِسَاءٌ مُؤْمِنَاتٌ لَمْ تَعْلَمُوهُمْ أَنْ تَطَئُوهُمْ فَتُصِيبَكُمْ مِنْهُمْ مَعَرَّةٌ بِغَيْرِ عِلْمٍ لِيُدْخِلَ اللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ لَوْ تَزَيَّلُوا لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا (25) إِذْ جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوَى وَكَانُوا أَحَقَّ بِهَا وَأَهْلَهَا وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا (26)}
{هُمُ الذين كَفَرُواْ} يعني أهل مكة {وَصَدُّوكُمْ عَنِ المسجد الحرام} يعني أنهم منعونهم عن العمرة بالمسجد الحرام عام الحديبية {والهدي مَعْكُوفاً أَن يَبْلُغَ مَحِلَّهُ} الهدي ما يهدى إلى البيت من الأنعام، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد ساق حينئذ مائة بدنة وقيل: سبعين ليهديها والمعكوف المحبوس، ومحله موضع نحره يعني: مكة والبيت، وإعراب الهدي عطف على الضمير المفعول في صدّوكم ومعكوفاً حال من الهدي، وأن يبلغ مفعول بالعكف فالمعنى: صدوكم عن المسجد الحرام، وصدوا الهدي عن أن يبلغ محله، والعكف المذكور يعني به منع المشركين للهدي عن بلوغ مكة، أو حبس المسلمين بالهدي بينما ينظرون في أمورهم.
{وَلَوْلاَ رِجَالٌ مُّؤْمِنُونَ وَنِسَآءٌ مُّؤْمِنَاتٌ لَّمْ تَعْلَمُوهُمْ} الآية تعليل لصرف الله المؤمنين عن استئصال أهل مكة بالقتل، وذلك أنه كان بمكة رجال مؤمنون ونساء مؤمنات يخفون إيمانهم، فلو سلط الله المسلمين على أهل مكة، ولقتلوا أولئك المؤمنين وهم لا يعرفونهم، ولكن كفَّهم رحمة للمؤمنين الذين كانوا بين أظهرهم، وجواب لولا محذوف تقديره: لولا رجال مؤمنون ونساء مؤمنات لسلطناكم عليهم {أَن تَطَئُوهُمْ} في موضع بدل من رجال ونساء، أو بدل من الضمير المفعول في لم تعلموهم والوطء هنا الإهلاك بالسيف وغيره {فَتُصِيبَكُمْ مِّنْهُمْ مَّعَرَّةٌ} أي تصيبكم من قتلهم مشقة وكراهة، واختلف هل يعني الإثم في قتلهم أو الدية أو الكفارة أو الملامة، أو عيب الكفار لهم بأن يقولوا: قتلوا أهل دينهم، أو تألم نفوسهم من قتل المؤمنين، وهذا أظهر لأن قتل المؤمن الذي لا يعلم إيمانه وهو بين أهل الحرب لا إثم فيه ولا دية، ولا ملامة، ولا عيب، {لِّيُدْخِلَ الله فِي رَحْمَتِهِ مَن يَشَآءُ} يعني رحمة للمؤمنين الذين كانوا بين أظهر الكفار، بأن كف سيوف المسلمين عن الكفار من أجلهم أو رحمة لمن شاء من الكفار بأن يسلموا بعد ذلك، واللام تتعلق بمحذوف يدل على سياق الكلام تقديره: كان كف القتل عن أهل مكة ليدخل الله في رحمته من يشاء {لَوْ تَزَيَّلُواْ لَعَذَّبْنَا الذين كَفَرُواْ} معنى تزيلوا تميزوا عن الكفار، والضمير للمؤمنين المستوري الإيمان، أي لو انفصلوا عن الكفار لعذبنا الكفار فقوله: {لَعَذَّبْنَا} جواب لو الثانية، وجواب الأولى محذوف كما ذكرنا، ويحتمل أن يكون لعذبنا جواب لو الأولى: وكررت لو الثانية تأكيداً {إِذْ جَعَلَ الذين كَفَرُواْ فِي قُلُوبِهِمُ الحمية} يعني أنفه الكفر وهي منعهم للنبي صلى الله عليه وسلم والمسلمين عن العمرة، ومنعهم من أن يكتب في كتاب الصلح بسم الله الرحمن الرحيم، ومنعهم من أن يكتب محمد رسول الله، وقولهم: لو نعلم أنك رسول الله لاتبعناك، ولكن اكتب اسمك واسم أبيك، والعامل في إذ جعل محذوف تقديره: اذكر أو قوله: {لَعَذَّبْنَا} والسكينة هي سكون المسلمين ووقارهم حين جرى ذلك {وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التقوى} قال الجمهور وهي: لا إله إلا الله وقد رُوي ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقيل: لا إله إلا الله محمد رسول الله وقيل: لا إله إلا الله والله أكبر، وهذه كلها متقاربة وقيل: هي بسم الله الرحمن الرحيم التي أبى الكفار أن تكتب {وكانوا أَحَقَّ بِهَا وَأَهْلَهَا} أي كانوا كذلك في علم الله وسابق قضائه لهم، وقيل: أحق بها من اليهود والنصارى.

1 | 2 | 3 | 4 | 5